قبل وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، طالب مجلس الاحتياطي الفيدرالي «البنك المركزي الأميركي» برفع أسعار الفائدة، على رغم من ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض معدلات التضخم. والآن، يطالب بخفض أسعار الفائدة، مع أن معدلات البطالة عند مستويات منخفضة قياسية والتضخم مرتفع ولو قليلاً!
ولأكون منصفاً، هناك زعم اقتصادي حقيقي يدعو إلى خفض أسعار الفائدة وقايةً من تباطؤ اقتصادي محتمل. لكن من الواضح أن دوافع ترامب، كما هي الحال دوماً، محض سياسية، فقد كان يريد في الماضي أن يضر «المركزي» بالرئيس باراك أوباما، والآن يرغب في تعزيز حظوظه في الانتخابات المقبلة.
وهذا الأمر ليس مفاجئاً، فترامب يحاول تعيين حلفاء سياسيين في مجلس إدارة البنك المركزي الأميركي، لكن ما يبدو مفاجئاً هو أن كثيراً من المرشحين المحتملين، مثل «ستيفن مور» و«جودي شيلتون»، لديهم سجلات حافلة بتأييد «معيار الذهب» أو معايير مماثلة، وهو ما يضعهم في خلاف مع جهود الرئيس الرامية إلى تسييس «المركزي». فعلى أية حال، من النقاط المفترضة في معيار الذهب هو إزالة أي تلميح سياسي من السياسات النقدية. ومع ارتفاع أسعار الذهب مؤخراً، فينبغي على مؤيدي معيار الذهب أن يطالبوا «المركزي الأميركي» برفع أسعار الفائدة وليس خفضها.
وبالطبع، أيد «مور» و«شيلتون» طلب ترامب بخفض أسعار الفائدة. ويشكل ذلك لغزاً مزدوجاً: لماذا يريد ترامب مثل هذين الشخصين؟ ولماذا يرغبان في تحقيق أمنياته؟
أعتقد أن هناك إجابة بسيطة على شقي هذا اللغز، وهي مرتبطة بالسبب في أن بعض المعلقين الاقتصاديين (ولست متيقناً مما إذا كانوا يستحقون وصف «خبراء اقتصاد») يميلون إلى تأييد معيار الذهب في المقام الأول. وأتصور أن للأمر دائماً علاقة بالنفاق الوظيفي أكثر من كونه مبدأ اقتصادياً. ومن ثم، يعني هذا أن مؤيدي «معيار الذهب»، عموماً، هم الأشخاص الذين يمكن لترامب أن يعوّل عليهم في مساعيه، بغض النظر عن أي رأي اقتصادي أعربوا عنه في الماضي.
وهناك سؤال يبدو ساذجاً، لكن أعتقد أنه مهم: ماذا يتطلب الأمر ليصبح شخص ما خبيراً اقتصادياً وفقاً للمعايير المتعارف عليها؟
في الحقيقة أن يصبح الشخص خبيراً اقتصادياً ليس أمراً سهلاً على الإطلاق، وحتماً لن يؤدي تبني وجهات نظر متشددة إلى ذلك، وعلى المرء أن يكون محترفاً من الناحية التقنية، وليكون اقتصادياً محترفاً لا بد وأن يقدم إسهامات جديدة مهمة، كطرق مبتكرة للتفكير بشأن القضايا الاقتصادية، وأساليب مبتكرة لتقديم بيانات مرتبطة بهذه القضايا. والحقيقة أنه لا يوجد كثير من الناس القادرين على القيام بذلك، فالأمر توليفة من المعرفة المتعمقة بالأبحاث السابقة والقدرة على التفكير بطريقة مختلفة. ولا بد من فهم ما في داخل الصندوق، والتمكن من التفكير خارجه!
ولا أود هنا الحديث بطريقة رومانسية عن مهنة الاقتصاد الاحترافية، خصوصاً أن لها مساوئها المتعددة. فخبراء الاقتصاد الذكور أمثالي بدؤوا لتوهم فهم عمق التمييز على أساس الجنس في هذه المهنة. وهناك هيمنة واسعة النطاق من قبل شبكة الاقتصاديين القدامى من حملة الدكتوراه، والمنتمين لقلة من المؤسسات النخبوية. (وقد كنت بالطبع من المستفيدين من هذه المساوئ). وهناك أفكار جيدة كثيرة قطعت عليها الأيديولوجية الطريق تماماً. وحتى الآن من الصعب أن ننشر أي شيء يحمل نكهة «كينيزية» في الدوريات الكبرى. ولا يزال هناك إفراط في تقييم الأرقام المبهرة مقارنة بالرؤية الواقعية.
ولكن حتى بالنسبة للأشخاص الذين يستطيعون معرفة ما في صناديق الهوية الملائمة، يبدو صعود سلم النجاح في مهنة الاقتصاد الاحترافية أمراً شاقاً. ومن هنا، بالنسبة للأشخاص الذين لا يستطيعون أو يفشلون في صعود السلم، هناك سلالم أخرى بديلة. ويمكن أن يكون السير عكس التيار في حد ذاته دافعاً للوصول المهني.
ويحب الجميع فكرة المفكرين الشجعان والمستقلين أصحاب الآراء المستنيرة التي ترفضها النخب ضيقة الأفق، إلى أن يتم تسويغ الأفكار في نهاية المطاف. وهؤلاء الناس موجودون في المجال الاقتصادي كما في المجالات الأخرى. وشخص مثل «هيمان مينسكي»، صاحب نظرية زعزعة الاستقرار المالي، تجاهله جميع الخبراء المعتبرين في البداية، إلى أن دفعت أزمة 2008 الجميع إلى قراءة كتابه.
لكن الحقيقة المحزنة هي أن غالبية كبيرة من الناس الذين يرفضون الاقتصاد وفق المعايير المهنية المتعارف عليها، يفعلون ذلك لأنهم لا يفهمونه.
*أكاديمي وكاتب أميركي حاصل على نوبل في الاقتصاد
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/07/13/opinion/goldbugs-for-trump.html